هل الرجل والمرأة متساويان؟


اعتدنا عند الحديث عن حقوق المرأة رفع شعار المساواة بين الجنسين كأحد الأهداف البديهية التي تنادي بها المرأة بعد عقود من التهميش والتحجيم والهيمنة الممنهجة لجنس الإناث. المساواة أمام القانون، بالمنطق العام، يعد أساس العدالة الإجتماعية، ليست المساواة بين الجنسين فقط بل أيضا المساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، المساواة بين الأشخاص من أتباع المعتقدات المختلفة، المساواة بين الأفراد من الأصول والمنابت والأعراق المختلفة، أي المساواة بشكل عام.

في المقابل، فإننا أيضا عند الحديث عن حقوق المرأة اعتدنا أن نرى جهابزة المفكرين يبدعون بالخروج بحلول شبه منطقية للوقوف في وجه هذه الحقوق والحؤول دون تحصيلها. من أهم هذه الإبداعات الفكرية في الآونة الأخيرة هو ذلك الخطاب الشبه ذكي الذي ينسف أساس المطالبة بحقوق النسوة ويقر بأن الرجل والمرأة قد خلقوا غير متساوين أصلا، فكيف لنا أن ننادي بمساواتهم؟ المنطق بسيط، مساواة من هو ليس متساو يعد ظلما، وبالتالي الطرح العام لشعار المساواة يعد ظالما بحد ذاته!

فعلا، للوهلة الأولى يبدو منطقا بسيطا، يحمل شيئا، وأقول هنا شيئا، من الذكاء وبالتالي سهولة بالإقناع والنشر. ذلك فإننا أصبحنا نرى قادة دينية مثل وزير الشباب السابق الشيخ محمد نوح القضاة لا يتوان في استعماله في برنامجه على التلفزيون الأردني أمام عشرات الآلاف من المتابعين. عشرات الآلاف من ورثة العقلية الذكورية الجالسين خلف أجهزة التلفاز داخل منازلهم يحيون الشيخ على ذكائه الخارق الذي، وبمنطق بسيط، حمانا من هجمة الغرب ومن المؤامرة التي تحاك على عاداتنا وتقاليدنا العربية وديننا الإسلامي. فميراثنا الثقافي يقر بأدوار جندرية محددة يجب أن يلعبها جميع الرجال وبأدوار أخرة يجب أن تلتزم فيها كل النسوة، فأي حديث عن كسر لهذه الأدوار الجندرية يعد إرهاصا بحد ذاته.

لكن لنعود إلى منطق المساواة أمام القانون، ولنأخذ صفة إنسانية أخرى غير صفة الجنس على سبيل المثال. لنتكلم عن الطول. لنصنف الرجال إلى فئتين، فئة طوال القامة من طول ١٧٥سم إلى ٢٠٠سم وفئة قصار القامة من طول ١٥٠سم إلى ١٧٥سم. ولنسأل أنفسنا يا أعزائي القراء: هل يجوز المساواة بين هاتين الفئتين اللتين خلقتا غير متساويين؟ من الوهلة الأولى ممكن أن نفترض بأن الرجال طوال القامة هم جسديا أكثر قوة من الرجال قصار القامة، وبشيء من المبالغة ممكن أن ندعي بأنهم أكثر وسامة (لأن الذوق العام يفضل الرجال ذوي القامة الفارهة)، وبكثير من المبالغة وبتطويع المنطق ممكن أن ندعي بأنهم أكثر ذكاء أيضا، وممكن أن نعطي دلائل تثبت ذلك من دراسات إحصائية تجد علاقة مباشرة بين طول القامة ودخل الرجل. بالمختصر المفيد، هاتين الفئتين من الرجال غير متساوين، وبالتالي حسب منطق أعداء مساواة الرجل بالمرأة عليهم أن يدعموا قوانين مميزة للرجال طوال القامة.

قد يرفض البعض المثال ولا يرى المنطق من ورائه ولذلك فإنني سأحاول التوضيح أكثر هنا. التكلم عن صفة الطول لا يختلف أبدا عن التكلم عن صفة الجنس، فالتمييز بين البشر يمكن أن يكون أساسه صفة إنسانية واحدة تبنى عليها افتراضات مختلفة. قد يظن البعض بأن هنالك لا أساس لمقارنة هاتين الصفتين، فالطول كما يراه الجميع يأتي بدرجات مختلفة، بينما الجنس في العرف العام لا يأتي سوى في شكلين إثنين وهذا عرف خاطىء. الجنس بيولوجيا يعرف بالأعضاء التناسلية، وبدقة أكبر حجم تلك الأعضاء التناسلية. فالاختلافات البشرية بحجم الأعضاء التناسلية هو تماما نفس الإختلاف في صفة الطول بين البشر. في المثال أعلاه قسمت الرجال إلى طوال قامة وقصار قامة مع أنه يوجد نقطة التقاء مشتركة هي طول ال ١٧٥سم، هي نفسها النقطة التي نسميها عادة بالجنس الثالث عند مقاربة مثالي الطول والجنس. يعني لو اختزلنا فئة الرجال طوال القامة في صورة رجل واحد طوله ١٨٥سم وسميناه سين، وعلى نفس المنوال اختزلنا قصار القامة في صورة رجل واحد طوله ١٦٠سم وسميناه صاد، فإن الصورة المعيارية لسين وصاد ستشكل أساس الفئتين وبالتالى فإن سين، الصورة الأبهى لفئة الرجال الطوال لا يمكن أن تتساوى أبدا مع صاد، الصورة الأبهى لفئة الرجال القصار، وكذلك فإن نقطة الإلتقاء يمكن انكارها وشيطنتها، أو إضافة أو طرح سم من الطول للرجال ذوي الطول ١٧٥سم كي لا يتم خلط الأمور ومساواة من هم أصلا غير متساويين!

قد أكون عقدت الأمر بدلا من تبسيطه، ولكن المنطق عادة يكون أكثر صحة حين يرى من أبعاد مختلفة، فالنقطة في بعد واحد قد تكون سطرا في بعدين. ولأكمل الفكرة هنا، فإن الأعضاء التناسلية تختلف في الحجم بين البشر ونقطة الإلتقاء بين الذكر والأنثى هو ما نعرفه عادة بالجنس الثالث، ولكن في الواقع فإن الذكر هنا يشبه سين في مثال الطول، كلمة ذكر تختذل فئة معينة تحمل تباين كبير في الأعضاء التناسلية، وكذلك هي الأنثى في اللغة تشبه الصاد في المثال وتشير الى فئة واسعة.

بالمختصر، الجنس هو صفة انسانية واحدة كأية صفة انسانية أخرى والتماهي في الصفات الأخرى بين أبناء الجنس الواحد أكبر منه بين الجنسين. يعني اختلاف القدرات العضلية مثلا بين الذكور قد يكون أوسع من اختلاف القدرات العضلية بين ذكر معين وانثى معينة، فهنالك من الاناث من يفوقون الذكور بالقدرة العضلية، وذلك لا يحولهم بيولوجيا إلى ذكور أبدا. على نفس المنوال كذلك هو الاختلاف في كل الصفات الانسانية الأخرة كالطول والذكاء والعاطفة وووو.

في النهاية فإن اختزال فئة واسعة بشكل واحد والتمييز ضدها على هذا الأساس هو الظلم بعينه. فعلا، أحيانا تكون المساواة بين من هم غير متساويين غير عادلة، وهنا يمتد هذا ليشمل عدم التساوي بين أبناء الجنس الواحد، ولكن القانون عادة يكون أشمل من هذه الاختلافات الفردية وأوسع ليضم الجميع تحت رايته.

8 Comments

  1. المرأه الأردنية كتب فادي زغموط، ناهض حتر ، طارق مصاوروة، عدو المرأه كما يصفهه فادي ،سؤال واحد إلى حتر و مصاروة ، من هي الأردنية

    Like

  2. اريد فقط ان اعلق على منهجية العديد من جهابذة الدفاع عن حقوق المرأة او بالاحرى منظورهم الشخصي لهذه الحقوق. فمن الواضح ان هؤلاء الكتاب للأسف ليس على وعي واطلاع كافيين على فلسفة الاخلاق ونظرية المعرفة للتمييز الدقيق بين التحليل الوضعي “هل المرأة والرجل متساويان؟” وبين التحليل المعباري “هل ينبغي ان يكون المرأة وألرجل متساويين”. القضية الاولى يمكن تسويتها من حيث المبدأ من خلال اللجوء الى الادلة المنطقية والبراهين التجريبية، اما القضية الثانية فهي تنتمي الى عالم القيم وليس الى عالم الحقائق. القاعدة التي اتفق عليها العلماء والمفكرون الغربيين منذ قرنين من الزمن انه لا يمكن اسنتاج ” ما ينبغي ان يكون” من خلال الاحاطة ب”ما هو كائن” وهذا يعرف بالمغالطة الطبيعية في فلسفة الاخلاق وفلسفة العلم. وبخصوص المسألة الاولى “هل الرجل والمرأة متساويان” فان نتائج العلم مختلطة وهي تشير الى جوانب تشابه جوهرية وجوانب اختلاف ايصا جوهرية، سواء في النواحي العقلية او العاطفية او الجسدية.

    Like

  3. أعتقد أنه من السذاجة العلميه (مع احترامي الشديد لك) أن تشبه صفة الطول باختلاف الجهاز التناسلي عند الطرفين. فاختلاف الجهاز التناسلي مصاحب له إختلاف في الهرمونات المفرزة التي من دورها أن تؤثر على النفسية والعاطفة والمشاعر والمزاج وعلى أطول عضلات كثيرة في جسم الانسان التي من دورها أن تعطي الذكر حجم عضلات أكبر وبالتالي القدرة على حمل جرة الغاز التي قد لا تستطيع المرأة من نفس العمر حملها. وأيضاً هناك اختلافات عصبيه في الدماغ تعطي المرأة قدره على القيام والتركيز بعدة أعمال في نفس الوقت الأمر الذي قد ليكون موجود بهذه الكفاءة عند الرجل! هذا بالإضافة إلى قدرة المرأة على الارضاع (ومايحتويه من فوائد كثيرة مقارنةً بالارضاع الصناعي) والتي لا توجد عند الرجال. وبالطبع وجود اختلافات جينيه في الكروموسومات والتي من المفترض أن تؤدي إلى إختلاف في البنية الجسديه أو النفسية وليست مجرد ديكور جيني! وإذا أخذنا كل هذا وغيره في عين الاعتبار ودرسناه دراسة هندسيه نجد أن المرأة تقوم بأعمال معينة بكفاءة أكثر من الرجل والرجل يقوم بأعمال مختلفة بكفاءة أكثر من المرأة. هذا يعني أن الدور المختلف في المجتمع قد يكون هو الأفضل من ناحية الكفاءة الميكانيكيه وإستهلاك الطاقة والوقت وإذاً يكن هذا الاختلاف صديق للبيئة (كمثال الإرضاع) والمجتمع ! بالطبع نتكلم هنا عن الواجبات والمسؤوليات (الجندر) ولا نقصد الحقوق العامة التي بالطبع يجب أن تكون مساوية أمام القانون بغض النظر عن جنس أو لون أو ديانة الانسان.

    نهارك سعيد.

    Like

  4. شكرا للتعليق الاخير، احترم رأيك اكيد، ونعم لا انكر دور الهرمونات في تشكيل الجهاز التناسلي، ولكن لا تنسى دورها أيضا في النمو وفي صفة الطول. الذكر لا يملك حجم عضلات اكبر في المطلق، وان قارنت بين الفارق في الطول وحجم العضلات بين ابناء الجنس الواحد لوجدت اختلافات كبيرة. اما الاختلافات العصبية في الدماغ فهل يمكنك تحديدها بدقة علمية تعطي فروقات واضحة ومطلقة بين الجنسين؟ اما عن الكروموسومات، ماذا تفسر وجود اناث تحمل الصبغة الجينية التي نعرفها بالذكرية؟ وذكور تحمل العكس؟ اسطوانة الغاز ترتبط بالقوة العضلية لا الجنس، والفارق بين الجنسين في القوة العضلية لا يذكر ان قورن بالمهام اليومية وحجم تضخيم العضلات عند الرجال من ناحية التعزيز الاجتماعي الايجابي.

    الأفضل ان يتم قياس الكفاءة على اسس فردية وليست جنسية، فصفة الجنس لا تختزل النساء بشكل واحد وكذلك الرجال!

    Like

  5. شكراً لك، في الحقيقة هناك الكثير من الدراسات التي تشير إلى وجود إختلافات في حجم الدماغ عند الذكور والاناث خاصةً فيما يتعلق في “المادة البيضاء” (الموجودة أكثر عند الاناث) و “المادة الرمادية” (الموجودة أكثر عند الذكور) هذا بالإضافة إلى إختلاف طرق توزيع الدوائر العصبية عند الجنسين الأمر الذي يعتقد أنه يفسر سبب تميز المرأه في الامور التي تتطلب ذاكرة، التنسيق الأفضل بين أعمال متعددة في نفس الوقت، والجوانب التعبيريه. بينما الرجل يتميز بالتفكير التحليلي (الرياضيات) والتخيلي. أما بالنسبة للصبغة ألجينية الذكرية عند الاناث فجميع البحوث لا تبنى على الحالات الشاذة أو الاستثنائية!
    والخلاصة أن الذكاء النهائي متساوي بين الجنسين ولكن هناك أمور تقام بكفاءة أكثر عند كل جنس. أما بالنسبة للعضلات فلا أعتقد أن هناك خلاف علمي أن الهرمونات الأكثر إفرازاً عند الذكور تحفز على نمو عضلات أكبر مقارنةً بالاناث و ربما لذلك تجد فصل في المباريات الرياضية عادةً!
    http://goo.gl/EjdHv

    Like

  6. شكرا على الرابط، معلومة مهمة، ولكن من المهم ايضا النظر في أسس دراسات مثل هذه والتي تبني خطابها على أساس ثنائية الجنس من دون مراعاة الطيف الجنسي بين الجنسين أو مراعاة الاختلافات الكبيرة بين ابناء الجنس الواحد. على ماذا اعتمدت مخرجات الدراسة؟ على المعدل الوسطي للذكور والإناث التي تم دراستها؟ وما هو حجم العينة؟ وكذلك هل اخذ بالاعتبار الاصل الإثني هنا؟ وهل التفسير للاختلاف يعود جينيا ام ثقافيا وبيئيا؟ وعلى نفس المنوال، أتساءل، إن كان هنالك دراسة تكون فيها الثنائية هي صفة الطول كما ذكرت أنا في المدونة، وكم هي من الصفات الأخرى التي ترتبط بها؟ لربما اختلاف المادة البيضاء والرمادية يعود إلى صفات أخرى لا ترتبط في الجنس؟

    Like

  7. A recent upsurge in unitary biological explanations for gender differences in behavior (i.e. that they are “hard-wired” in the genetic code), put forward not only in books written for a general audience but also in scientific papers, makes it important to examine the fallacies of these ideas. Such genetic and hormonal explanations of human behavior, formulated with little consideration of the influences of experience, and often without taking experience into account at all, are part of a new wave of genetic explanations for a broad range of human behavior, as explained in the paper. These ideas are far from new; moreover, they are pseudoscientific and are used for political influence under the guise of science. They are a conservative social force that maintains social and educational inequalities between women and men. This paper explains that causal explanations of differences between the sexes are of two completely different types: unitary (genetic determinist) versus interactive explanations. The false reasoning used to support genetic determinist explanations of sex differences in behavior is discussed. To illustrate what biology really tells us about gender differentiation, the paper discusses the interactive roles of genetic, hormonal and environmental influences on the development of gender differences. These interactions are illustrated using two model biological systems (e.g. the intertwined influences of genes, sex hormones and experience on the development of sex differences in behavior in rats, and sex differences in neuronal connections in chickens). There is plenty of scientific evidence to show the complex interactive, and ever changing, influences of experience and genes that take place as an organism develops and throughout its life. Malleability of brain and behavior can be shown clearly using animal models, and the processes involved apply also to the development of brain and behavior in humans. We diminish our understanding of the functions of a host of contributing factors to gender differentiation by parceling out the largest portion of control to the genes. The biology and behavior of humans is dynamic and flexible and need not restrict women to inferior positions in society.
    http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20538246

    Like

Do you have something to say?